بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(((((((فضل لفظة "بسم الله الرحمن الرحيم)))))))
عنوان موضوعات القرآن، بسم الله
تعد عبارة بسم الله الرحمن الرحيم الواردة في مفاتيح سور القرآن الكريم جزءاً من تلك السور طبقاً لمذهب أهل البيت (ع) وحسب آراء اكثر الفقهاء، بل وتتعدى ذلك إلى أن يأتي بها المصلي في افتتاح السورة التي تلي سورة الحمد بنيّة انها تختص بالسورة الفلانية احتياطاً.
وهي أول آية من آيات الكتب السماوية التي نزلت، وهي أيضا ًأول عبارة أُلقي بها إلى آدم أبي البشر (ع) وهي أُولى آيات القرآن الكريم وبها افتتح القرآن الكريم عنواناً، وبهذا الشأن أورد المحقق النيشابوري في تفسيره قصة لطيفة يقرب فيها معنى ان آية بسم الله الرحمن الرحيم هي عنوان الكتاب المجيد، يقول النيشابوري:
واجهة القصر الجميلة، والعطاء القليل:
مرّ فقير يوماً بقصر ذي بوابة عظيمة وواجهة رائعة فقال في سرّه: ان هذه الواجهة لتعرب عن أن صاحب هذا القصر أحد الأشراف أو الأغنياء، فلأناديهم بفقري واسألهم بسد فاقتي وحاجتي لعليّ اصلح أحوالي، فشرع يناديهم بحاجته ويقول ارحموا البائس الفقير، فجاؤوه بكسرة خبز يابسة، فنظر إليها واليهم ثم لم يلبث أن تركهم هنيهة ثم عاد يحمل معولاً فنزل يضرب البوابة بالمعول، فصاحوا به: ويحك ما الذي دهاك يا هذا؟ فأجابهم: دعوني اهدم هذه البوابة المشؤومة لأنها تعلن كذباً عن ان صاحب هذا القصر المنيف ما هو الاّ امرؤ عظيم والحال ان صاحبه لا يعدو ان يكون ذا فاقة، فناشدوه الكف عن الضرب بالمعول وما زالوا يلحون عليه حتى قال لهم: ما يكون ما تريدون حتى تزيدوني في عطائي!!
ويضرب المحقق النيسابوري بهذه القصة مثلاً على واجهة القرآن الكريم في آية بسم الله الرحمن الرحيم، فهذه الواجهة تعرب عن كونها مدخلاً إلى الرحمة الإلهية وتنطق بلسان الحال قائلة: تعالوا واسألوا الله برحمته الرحمانية والرحيمية، فمن ذا الذي اقبل بوجهه إلى رحمة الله تعالى وهو يشكو له ما به من الضر فلا يجد لنفسه حينها الدواء الناجع لضره؟
بسم الله، تزيل الأحزان وتحل المعضلات:
ويروى ان من أصابه الحزن لعارض يعترضه أو مصيبة ثم يقول بسم الله الرحمن الرحيم مستيقناً بالله راجياً لرحمته، يمن عليه الله تعالى بأحد أمرين، فأما أن يعطيه مسألته، واما ان تكون الإجابة فيها ما يعارض صلاح العبد فيعوضه الله تعالى بأن يهبه من فضلة ما يشرح به صدر عبده. ولعل الرواية الواردة عن الإمام علي الرضا (ع) التي تقول (بسم الله الرحمن الرحيم اقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها) غير خافية على الكثيرين منّا، فنحن نعرف ان النطق باسم الله الأعظم يفتح جميع الأبواب الموصدة، إذاً فما يمنعنا عن حل مشكلاتنا ونيل الرخاء بعد الشدائد من استعمال بسم الله الرحمن الرحيم هذه الآية التي تطرد الشياطين بمجرد النطق بها.
الاستعانة بالله أحد آثار فهم معنى بسم الله:
وما يهمنا هنا هو حقيقة ومعنى بسم الله باعتبار شدة قربها من الاسم الأعظم فالباء في (بسم الله) هي باء الاستعانة، فيكون معنى بسم الله (بعون اسم الله) ويعظم اثر حقيقة بسم الله عندما يدرك قائلها بما يملك من علم وسلوك أنه قد استيقن ان العبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة بدون عون الله لأن المرء لا يمكنه أن يبتدع شيئاً من نفسه، بل ان الإنسان لا يملك حتى نفسه التي بين جنبيه، مع ان اسم الله لوحده لا يقدم عملاً أو يؤخره بدون ارادة الله تعالى في تقديم العون المنشود لعبده، فكم من خارج من داره لم يعد لها ثانية؟ وكم من مشيد بناء لم يتم بناءه؟
إذاً لو أدرك العبد حقيقة بسم الله فسيجد ان حالة الاستعانة والتوجه إلى الله قد حصل عنده، فهو عندما يقول في صلاته بسم الله انما يعني انه يقول بسم الله أقرأ وافتح، وبسم الله اعمل وانطلق وأقول، لأنه يعلم يقيناً أنه لا استقلالية له البتة.
يقول الإمام الحسن العسكري (ع) عن معنى بسم الله (تقول بسم الله أي استعين على اموري كلها بالله) [2] إذاً علينا ان ندرك هذه الحقيقة بحيث تصبح لدينا ملكة وسلوكاً دائماً نفهم مع كل بسم الله نقولها أننا قد استيقنا عجز ذواتنا وسائر الأشياء دون إرادة الله تعالى ومشيئته، بل إن المصباح المضي لا يضيء بذاته أو بذات وقوده النفطي أو الزيتي أو الكهربائي وإنما تحصل إضاءته وفق إرادة الله عز وجل، وان حركة ووجود وبقاء كل موجود انما يتم وفقاً لإرادة الله تعالى. فهذا الحال لو تملك العبد فصدر سلوكه وفق هذا الأساس فسيدرك معنى المسكنة والعبودية الدائمة لله عز وجل الذي ينبع من علمه بحقيقة ومعنى بسم الله.
أَسِمُ على نفسي سمة العبودية:
وقد نقل عن الإمام الرضا (ع) معنى قول بسم الله فقال أسِمُ على نفسي بسمة من سمات الله وهي العبادة، يقول الراوي فقلت يا بن رسول الله (ص) وما السمة؟ قال: هي العلامة). وعلى هذا الأساس يكون معنى بسم الله لقائلها انه يسم نفسه بسمة العبودية لله عز وجل لانه قد ختم قلبه بخاتم العبودية الكاملة لله تعالى معرباً عن عجزه وانكساره وضعفه وأن لا عصمة له إلا بالله وحده. بينما نرى أن الجنس البشري يتهافت منذ القدم في دعوات الربوبية والاستقلالية فيزعم مكابراً انه قام بفعل العمل الفلاني، وابدع الأمر الفلاني وانه سيفعل كذا وكذا، ولولاي لم يكن الأمر الكذائي وما إلى ذلك من المزاعم والادعاءات التي تقف على طرف النقيض من عبارة بسم الله التي لا يفتأ المرء من ترديده إياها لأنه انما ينطق بها باللفظ دون ادراك وجهها الحقيقي وعليه فلا يستغرب من عدم ترتب الأثر على النطق بها، لأن الجسد الذي تفارقه الروح لا قيمة له، بينما تكمن القيمة الحقيقية بسم الله عندما يتعين مكان وجودها في الروح الإنسانية فيحصل حينذاك على تجلي فيوض آثارها.
إشغال القلب بذكر الله:
وعن رسول الله (ص) في صدد اسم الله الأعظم حينما سئل عنه أي شيء يكون؟ قال (ص) (اقطع القلب عما سواه وقل يا الله) [3]، ومعنى ذلك ان ينقطع الإنسان عن الغير تماماً ـ إلى الله وحده، وهي تمام التوكل على الله والاستعانة الحقيقة به، وعن صحة وقبول عمل الإنسان ينبغي أيضاً أن يكون العمل بالصورة التي لا يرى فيها العبد سوى الله وحده حينئذ يمكن الوصول والحصول على اسم الله الأعظم، لأن ما سيدركه الإنسان في اسم الله عز وجل سيكون هو بذاته الاسم الأعظم، ولو حصّل الإنسان جميع الشرائط والأسباب اللازمة للوصول إلى اسم الله الأعظم ثم لم ينقطع إلى الله وحده فليعلم انه لن يتيسر له أبداً ان ينتهل من حقائق وآثار الاسم الأعظم.
أحترام أسم الله يوجب شمول الوالدين بعفو الله ورحمته:
وينقل عن الإمام أمير المؤمنين (ع) ان من وجد كتابة بسم الله الرحمن الرحيم ملقاة على الأرض فرفعها احتراماً وتعظيماً لكلام الله واسمه الكريم منّ الله على والديه بالراحة فيما لو كانا في شدة ونصب، وانعم عليها بفيوض الروح والريحان ان كانا في راحة وثواب، وفوق ذلك كله يدرجه الباري تعالى في الصديقين [4].
لذلك وجب علينا ان نهتم بهذا الأمر الذي كثر حصوله في زماننا هذا نتيجة كثرة الصحف والمجلات والاعلانات التي تحمل كلام الله تعالى واسماءه الكريمة التي نراها ملقاة في الأزقة والشوارع فنسارع إلى رفعها وازاحتها عن سبيل المارة لئلا تسحقها الأرجل اجلالاً وتعظيماً لأسماء الله وآياته، فنحصل بعملنا ذلك على النفع والرحمة.